أبيات من قصيدة الهمزية للبوصيري رحمه الله
==========================
كيفَ تَرقَى رُقَيّك الأنبيَاءُ يَا سَماءً مَا طَاولتهَا سمَاء
لم يُسَاوكَ في عُلاَكَ وَ قَدْ حَا َلَ سَنًا منكَ دُونهُم و سَنَاءُ
إنّمَا مثّلوا صفَاتك َ للنّا س كَمَا مثّل النُجُومَ المَاءُ
أنتَ مصبَاحُ كلّ فضل فَمَا تصدر إلاّ عنْ ضوئكَ الأضواءُ
لكَ ذاتُ العُلوم منْ عَالم الغيب ومنْهَا لآدمُ الأسمَاءُ
لمْ تَزلْ في ضَمائر الكون تُختَار لكَ الأمهَاتُ و الأبَاءُ
تتبَاهى بكَ العصور و تَسْمُو بكَ عَلياء بَعدَ عَليَاءُ
نَسَبٌ تحسَبُ العليَا بحلاهُ قلدتهَا نُجُومُهَا الجوزاءُ
حَبّذَا عُقد سُؤدد و فَخَار أنت َ فيه اليتيمَةُ العَصمَاءُ
و محيًا كَالشمس منكَ مُضيء أسفَرتْ عنه ُ لَيلة ٌ
غَراءُ ليلَة المولد الذي كَانَ للدي ن سُرورٌ بيومه و ازدهَاءُ
و تَوَالتْ بُشرَى الهَواتف أنْ قَد ُ و لدَ المَصطفى وَ حقَّ الهَنَاءُ
و اتتْ قَومَهَا بأفضل مَمَا حمَلتْ بهْ مريمُ العذراءُ
رافعًا رأسهُ و في ذلك الرّفع إلى كل ّ سؤدد إيمَاءُ
رامقًا طرفهُ السمَاءَ و مَرمَى عين من شأنه العلوّ العلاءُ
و تَدلّت زهرُ النجوم إليه فأضاءت بضَوئهَا الأرجَاءُ
و تَراءت قُصُور قيصر بالرو م يَرَاهَا مَنْ دَارُهُ البَطحَاءُ
وَ بَدتْ في رضاعه مُعجزاتٌ ليسَ فيهَا عَن العيون خَفَاءُ
إذ أبتهُ ليتمه مُرضعَاتٌ قلن مَا في اليتيم عنَا غَنَاءُ
فأتتهُ منْ آل سعد فتَاةٌ قَد أبتهَا لفقرهَا الرضعَاءُ
أرضعتهُ لبانَها فسقتهُ و بنيهَا ألبَانهُن الشَاءُ
أصبَحّتْ شوّلا عجَافًا و أمستْ مَا بهَا شائل و لا عجفاءُ
أخصَبَ العيشُ عندَها بعدَ محل أنْ غد للنّبي منْهَا غذاءُ
بالهَامته لَقد ضوعفَ الأ جرُ عليهَا منْ جنسهَا و الجزاءُ
وان سخَّرَ الإلهُ أنَاسًا لسعيد فانهم سعداء
حبَّةُ أنبتتْ سَنَابلٌ و العصف لَديه يستشرفُ الضعفَاءُ
و أتتْ جَدهُ و قَدْ فصلتهُ و بهَا مَنْ فصَاله البرحَاءُ
إذ أحاطت به ملائكةُ الله فظَنَنتْ بإنهُم قُرنَاءُ
و رأى و جدهَا به و من الوَ جد لَهيبٌ تصلي به الأحشَاءُ
فَارقتهُ كُرهًا و كَانَ لَديهَا ثَاويًا لا يَمل منهُ الثواءُ
شَقَّ علَى قَلبه و أخرجَ منهُ مُضغَةً عند غَسله سَودَاءُ
خَتمته يمنى الأمين و قَدْ أو دع مَا لم تذع لَه أنبَاءُ
صَانَ أسرَارَهُ الختَام فَلا الفضض مُلّمٌ به و لا الإفضَاءُ
ألفَ النسكَ و العبَادةَ و الخلوةَ طفلاً و هكذَا النُجَبَاءُ
و إذَا حَلَّتْ الهدايةُ قَلبًا نشطت في العبَادة الأعضَاءُ
بَعثَ اللهُ عند مبعثه الشَهب حراسًا و ضَاقَ عنهَا الفضَاءُ
تَطرُدُّ الجّنَّ عَنْ مَقَاعد للسمع كمَا تُطرَدُ الذئَابَ الرعَاءُ
فمحتْ آيةُ الكهَانة آيا ت من الوَحي مَا لهُنَّ انمحَاءُ
و رأتهُ خَديجةُ و التقى و الزهدُ فيه سَجيةٌ و الحيَاءُ
و أحَاديثً أنَّ وعدَ رَسول الله بالبعث حَانَ منهُ الوفَاءُ
فَدعتهُ إلى الزواج و مَا أحسن مَا يَبلغُ المُنَى الأذكيَاءُ
أتَاهُ في بَيتهَا جبرئيلُ بذي اللُّبّ في الإمُور ارتيَاءُ
أمَاطتْ عنْهَا الخمار لتدري أهوَ الوحيُ أم هُو الإغمَاءُ
فَاختفى عند كشفهَا الرأسَ جبريلُ فَمَا عَادَ أو أعيد الغطَاءُ
إستبَانتْ خديجةُ أنّه الكَنْزُّ الَّذي حَاولتهُ و الكيمياءُ
و في الكُفر نجدةٌ و اباء
أمُمًا أشربَتْ قُلُوبُهم الكفر فداءُ الضلال فيهم عيَاءُ
و رأينَا آيَاته فَاهتَدينَا و إذَا الحَقُّ جَاءَ زَالَ المراءُ
رَبّ إنَّ الهُدى هُدَاكَ و آيَاتكَ نُورٌ تَهدي بهَا مَنْ تَشَاءُ
كَمْ رَأيْنَا مَا لَيسَ يَعقلُ قَدْ أُلهمَ مَا لَيسَ يلهمُ العقلاءُ
إذْ أبَى الفيلُ مَا أتَى صَاحب الفيل و لَم يَنفع الحجَا و الذكاءُ
و الجَمَادَاتُ أفصَحتْ بالَّذي أخرسَ عنهُ لأحمد الفُصَحَاءُ
ويحَ قَوم جَفَوا نَبيًا بأرض ألفتهُ ضبَابُهَا و الظَبَاءُ
و سلوهُ و حنَّ جذعٌ إليه و قَلوهُ وودَّهُ الغُرَباءُ
أخرجوُهُ منْها وآواهُ غَارٌ و حمَتهُ حمَامةُ ورقَاءُ
و كَفتهُ بنسجهَا عَنكبُوتٌ مَا كفتهُ الحمَامةُ الحصداءُ
و اختَفى منهم علَى قرب مرآهُ و من شدَّة الظهُور
الخَفَاءُ و نَحَا المصطفى المدينة واشتَا قتْ إليه من مَكةَ الأنحَاءُ
و تغنَّتْ بمدحه الجنُُّ حتَّى أطرَب الإنسَ منهُ ذَاكَ الغنَاءُ
و اقتَفى أثرَهُ سُرَاقةُ فَاستهوتهُ في الأرض صَافن جَرداءُ
ثُمَّ نَاداهُ بَعدَمَا سميت الخسيف و قَدْ ينجدُ الغريقَ الندَاءُ
فَطَوىَ الأرضَ سَائرًا و السموا ت العُلا فَوقَهَا لَهُ اسرَاءُ
فَصف الليلة الَّّتي كَانَ للمخب تَار فيهَا على البُراق
استوَاءُ و تَرقَى به إلى قَابَ قوسين و تلكَ السيَادةُ القعسَاءُ
رُتَبٌ تَسقُطُ الأمَاني حَسرى دوُنَهَا مَا ورَاءهُنَ ورَاءُ
ثُمَّ وَافَى يُحدّثُ النَّاسَ شُكرًا إذ أتتهُ من ربّه النعمَاءُ